ذو القرنين

كان عجبنا صامتًا ينظر بحب كبير إلى أحمد الحامدين, وكانت كلماته تنزل عليه مثل الثلوج البيضاء، تغسل خواطره المكسورة، وأخمد في نفسه كلّ ألسنة اللهب الَّتي أشعلها حنيضل بنفخه المسموم على ثقاب الأسئلة العصيّة. وعلى الجانب الآخر، كانت ملامح وجه مكة يكسوها الإعجاب والفخر بابنها ورجاحة عقله، أما دقينة فكان يُغمض عينيه وقتما كان ابنه أحمد الحامدين يتحدث، وكأنه يرى في ظلام عينيه المُغمضتين نورًا متوهجًا لأحلامه بأن يغدو ابنه أحمد الحامدين قائدًا حكميًا في عشيرته، يقودهم بوعي نافذ وبصيرة ثاقبة، يتخطى بهم كلّ العوائق والصعاب، قائدًا فذًّا يتحلى بقيّم الإنسانية الرحيبة، تمتلئ جوارحه بالرحمة والعدل والإحسان، ولا تنقصه الشّجاعة ولا المروءة. ثم فتح دقينة عينيه، ونظر إلى أحمد الحامدين، وكأنه يقول في نفسه: مرحى بك بُني، فقد أصبح الحلم بك حقيقة لا يأتيها الباطل من فوقها ولا من تحتها.