القراءات التراثية المعاصرة و إشكاليات المنهج

يبقى السؤال عن الموانع التي حالت دون تبوء المجتمع العربي مكانة مميزة ومرموقة تليق بتاريخه الحضاري من أهم الأسئلة التي تعرضها الدراسات العربية المعاصرة ، لاسيما التي جعلت من التراث العربي مجالاً لها. ولأن هذا السؤال يأتي غالباً وفق صيغ استفهامية جامعة من قبيل : لماذا تخلف العرب وكيف لهم أن يحرزوا التقدم في شتى مناشطهم الفكرية والحياتية ؟. فقد أنتج إجابات مختلفة ومتباينة في بعض الأحيان انعكس أثرها على خارطة الخطاب الفكري العربي المعاصر، مما أثر بشكل مباشر في طبيعة هذا الخطاب ، بحيث بدا وكأنه خطاب مضطرب غير واضح المعالم وغير قادر على تحديد آلياته ومن ثم بلوغ غاياته الاستشرافية . في خضم تلك الاختلافات الفكرية أنتجت مقولة التراث جدلاً فكرياً خصباً بين مختلف المدارس الفكرية والفلسفية التي صاغت بدورها مفاهيمها ومواقفها كلاً حسب وجهته حول طبيعة معوقات النمو المعرفي والحضاري وحول ما إن كان البحث في التراث العربي الذاتي يمكن أن يمدنا بمعطيات وإجابات ونتائج تعن على فض العديد من الإشكاليات المعرفية التي تواجه محاولات التأسيس النظري لمشروع نهضوي عربي . على وفق ذلك صار التوجه إلى التراث براحاً بحثياً تثار ضمنه عديد القضايا المعرفية ذات العلاقة بتفكيك الواقع لإبراز جملة التطلبات والأقتضاءات التي ينبغي الانشغال بها من قبيل موضوعات النهضة وموضوعات الأصالة والمعاصرة عن موضوعات الاستشراق لما لها من أثر مباشر في الساحة الفكرية العربية . ولأن البديل لا ينتج في الغالب من فراغ فقد بات من المهم مراعاة أن لا يصير التراث متَّكأً لمشروعية الرؤية ، بقدر ما يصبح الأهم هو تحديد الآلية التي بموجبها يمكن التعامل مع تلك المعطيات التراثية في مستوياتها المعرفية المختلفة ، وهذا يقتضى وعياً خاصاً يرتكز على استفسارات جوهرية معنية بآلية التناول! فهل نتناول النتاج التراثي من حيث كونه ركاماً من المعارف المحكومة بظرف الزمن الذي أنتجه ؟. أم نتناوله من حيث كونه محصلة تفاعل جدلي تاريخي يمكن تطوير مفاهيمه وتوظيفها بحيث لا تتوقف قيمته عند حدود زمن إنتاجه بل تتخطاه إلى الإسهام في تطوير الحاضر ؟.