مد يدك

إذا شعرت بأنَّك أمام شعرٍ – فقط – أسلم وَعْيَكَ ولا وعيك للكلمات، فسيخبرك الوعيُ بشيٍء ويخبرك اللاوعيُ بأشياء، سترى هناك معانيَ، وترى معاني المعاني، وهنا ينفتح باب الرؤى، لتصبح القصيدة حلمًا موقَّعًا بإيقاعاتٍ خفية هي ذبذبات نفسٍ شاعرة تتشكّل موسيقاها بتناسق حروفها وألفاظها وفق ما يحس الشاعر، لا وفق ما تقول القواعدُ والحدود، ويخلق العالم الجديد الموازي لعالمٍ شوّهتْ وجهَه الندوبُ وعبثت به أيدي الجناة . ليس شرطًا أن يبحث الشاعر الذي عاش بين أحضان الجبل الأخضر الأشم – في شوارع باريس وقصور روما عن مادة يحيك منها عالمه، يكفيه أن تتكحّل مآقيه بخضرة الروابي حيث الكروم والأَرْز والبطُّوم، ويكفيه أن تتشنَّف آذانه بخرير ماٍء عذب تلفظه : «عين مارة »،أو «عين الدبوسية » أو «عين الحشن »، أو «شلال درنة »، أو حتّى «نبع أبوللو » الواقع ضمن حدود أرضه