مقدمة لدراسة المثالية الألمانية

الفلسفة المثالية لها تاريخ طويل في حياة البشرية، فقد صاحبت الفكر الديني في أبسط صوره منذ نشأة الخليقة، وكانت (الفلسفة المثالية) الدافع المحفز لفهم الدين والخروج به من أبسط معانيه وتطبيقاته إلى حالة استعداد العقل البشري لتقبل الأديان السماوية، وكانت تلك المسيرة قد بدأت في الشرق الأدنى القديم باعتبارها وجه من وجوه الوعي العقلي لحقائق الكون الطبيعي ومصادره الميتافيزيقية. ظل الفكر الديني منذ ذلك التاريخ الطويل النشأة، مصاحبا بالفلسفة المثالية، ومستجيبا لتحفيزاتها من أجل تطوير مفهوم الدين، وترسيخ أهدافه وغاياته الإنسانية في حياة جبُل فيها الإنسان على القسوة على أخيه الإنسان. شاركت الفلسفة المثالية في ذلك التطور بدرجات متفاوتة في الاقتراب من الحقيقة التي تكمن في أن غاية الدين هي تهذيب الإنسان من الغرائز الحيوانية الكامنة فيه، وجمع عقول البشر حول حقيقة واحدة تكمن في الإلوهية القائمة على الوحدانية بدلا من التشتت، والتيقن من أن مكونات الكون المادي مخلوقة وليست خالقة بحيث تستحق العبادة، وهو أمر يستدعي من العقل البشري النفاد إلى جوانيتها للتحكم فيها، أو تحاشي مضرتها على أقل تقدير.